26 - 06 - 2024

تباريح | يوميات والد ناشط مهدد بالقتل

تباريح | يوميات والد ناشط مهدد بالقتل

أرشيف المشهد

17-2-2013 | 16:50

اغترب عني منذ زمن .. لكنه يظل الضمير الذي يلاحقني ، لامفر منه ، فماضينا واحد ومستقبلنا ، لم اعهده إلا صلدا ، لكن آخر مرة رأيته فيها فوجئت بشحوبه وقلقه وتوتره الدائم ، نظرت في عينيه لأعرف سره .. هكذا كنا معا على الدوام .. لانحتاج إلى كلمات.

صاحبي ينتابه غم لا يكاد يفارقه ، فابنه الأثير وصديقه القريب يتهدده القتل .. كانا معا في الميدان عاشا لحظات الجسارة .. أيام موقعة الجمل ولحظات تحليق طائرات إف 16 وليلة التنحي افترقا .. عاد الأب إلى البيت لينعم بقسط من النوم يعينه على ماتصور أنه معركة فاصلة في اليوم التالي .. وأصر الابن على المبيت ، فغدر المتربصين بالثورة يمكن أن يحدث في أي وقت. في اليوم التالي احتفلا معا وبعده افترقت الخطى ، فالأب انتزعته هموم الحياة من رحم الثورة .. والابن صار بعضا منه فيها .. يسد عجزه ويداري تقصيره.

الصبي الذي كان يخشى هدير الإف 16 أنضجته الـ18 يوما الحالمة بقدر 18 عاما .. أصبح لا يهاب شيئا ، نضج حلمه وتحول من تغيير نظام إلى تغيير مجتمع من قاعدته إلى قمته .. رأى رفاق دربه يتساقطون فتى وراء الآخر .. جيكا ثم كريستي والجندي ، ومن ينج منهم من الموت يلاحقه الاختطاف من عمر أحمد إلى إسلام محمود وغيرهما .. القاسم المشترك الذي يجمع كل هؤلاء هو "أدمن" صفحة من صفحات الثوار .

زاد عناد الفتى مع كل دم يراق .. فجيكا مات لأنه خرج يطالب بالقصاص لشهداء محمد محمود ، والجندي وكريستي دفعا حياتهما ثمنا للمطالبة بالقصاص للشهداء وبينهم جيكا .. ومن يدري ؟؟ فنحن في سلسلة جهنمية يديرها طرف يقتل وطرف يطلب محاسبة القاتل ، وكل شهيد يجد من يخرج ليطلب حقه.

لا يستطيع صاحبي أن يمنع ابنه ، فهو امتداد لحلمه وطموحه في بلد يرعى آدمية أهله ويصون كرامتهم .. ذلك على الأقل ماقاله حين أراد أن يخرجه صبيا من الميدان يوم الإف 16 حتى إذا ماأصيب قادة الطائرات بالجنون وقصفوا .. يكون على قيد الحياة من يطلب الدم ولا يساوم عليه  .. يدفعه لذلك ايمان عميق بأنه لا أحد يستطيع أن يدفع الموت لا عن نفسه ولا عن غيره ، إذا ما حان.

أحاول أن أطمئنه ، لكن الشواهد من حولنا تدعو للقلق .. حين تم تهديد ابنه اصطحبه إلى أحد كبار قادة الداخلية ، لايصال رسالة مفادها أنه يحمل الوزارة المسئولية .. فقد أحس أنها الطرف الذي يهدد سعيا لكسر شوكة الثوار . وأقسم إن مسه أحد بسوء ، فلن يكفيه أن يقتص من قاتله ، بل من كل الجالسين على كراسي السلطة.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان